في نهاية حديثه الرائع عن المحبة قدم لنا الرسول بولس " الايمان والرجاء والمحبة "( 1 كورنثوس 13 : 13 ) . باعتبارها الاركان الرئيسية التي ترتكز عليها المسيحية ، ومن بين هذه الاركان تبرز محتلة مكان الصدارة وهذا ما ذكره الرسول صريحا وهو يتابع حديثه : " هذه الثلاثة لكن اعظمهن المحبة " . نعم فالمسيحية ديانة المحبة ، شعارها " الله محبة " ( 1 يوحنا 4 : 8 ) .
للايمان كذلك مكانة مرموقة فهو يقترن بالمحبة في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس وبالايمان ننال الخلاص الثمين ( اعمال الرسل 16 : 31 ) . ونرضي الله . ونصير ابطالا ً تتحقق بنا المستحيلات . اما الرجاء فهو الركن المهمل لا تتسلط عليه الانوار ولا يكثر عنه الحديث بالرغم من اهميته الحيوية . انه الجندي المجهول الذي يعمل في الخفاء ويؤدي دوره في صمت من خلف الستار .
لكن دعونا نرى كيف يلعب الرجاء دوره الخطير بين هذين العملاقين : المحبة والايمان . الرجاء أحد ثمار المحبة لان المحبة " ترجو كل شيء " (1 كورنثوس 13 : 7 ) . والايمان يُبنى على الرجاء لان " الايمان هو الثقة بما يرجى والايقان بامور لا ترى " (عبرانيين 11 : 1 ) . ولعلك لاحظت ان الرجاء حلقة الصلة بين المحبة وكأنه يقوم بدور الدم في جسم الانسان ، ففي الجسم اعضاءهامة جدا ً كالقلب والمخ والرئتين وغيرها ولكنها لا يمكن ان تؤدي دورها الخطير اذا لم تربطها الدورة الدموية ، بل انها اصلا لا يمكن ان تستمر اذا ما انقطع الدم عن تغذيتها ولو للحظات لان " نفس الجسد هي في الدم " ( لاويين 17 : 11 ) .
لذلك فان اخطر ما يصيب الانسان هو ان يفقد رجائه لاننا بالرجاء نستطيع ان نواجه كل المواقف ، اما اذا فُقد الرجاء فالظلام يسود وحينئذ ٍ يمكن ان يحدث اي شيء حتى الانتحار نفسه والانتحار لا يقتصر على القتل الحرفي للذات ولكن كل يأس يصيب الانسان هو نوع من الانتحار، تماما ً كما ان الزنا يمكن ان يكون بالنظر و الفكر والقتل بالبغضة والعداء .
نحن الذين نعتبر الانتحار من الكبائر قد لا ندرك اننا نقترف نفس الشيء في كل مرة نستسلم فيها لليأس ، فالنبي ايليا عندما اعتزل الحياة وامتنع عن الطعام وطلب الموت لنفسه ( 1 ملوك 19 : 4 ) اليس هذا انتحارا ً ؟ والنبي ايوب نفسه اجتاز اختبارا مماثلا ُ في ضيقته المعروفة .
ليس بمستغرب ان يقدم الانسان على الانتحار او يصاب بلوثة اذا ما واجه الحياة وتصدى لضيقاتها بدون الله لان الله هو المصدر الوحيد للرجاء الحقيقي فهو الاله المقتدر للرجاء الحقيقي فهو الله المقتدر مهما كانت الصعوبات وهو الاله الامين لمواعيده مهما طال الزمن وهو المخلّص مهما ضاقت ظروف الحياة واستحكمت لان " عند الرب السيد للموت مخارج " ( مزمور 68 : 20 ) .
في الختام " لماذا انت منحية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ ؟ ترجّي الله " ( مزمور 42 : 11 ) .
واذ تملأني رجاء ساعدني يا سيد لاقدم رسالة الرجاء المبارك لعالم ينتحر في يأسه .