" اذهبوا الى العالم أجمع ، اكرزوا بالانجيل للخليقة كلّها ، مَن آمن واعتمَد خلص ، ومن لم يُؤمن يُدَن "...
وتفرّق التلاميذ ، ومعظمهم فقراء ، صيادو أسماك ، خرجوا من أورشليم ، وانتشروا يحملون البشارة العظيمة ، بشارة الخلاص المجّانيّ للبشرية كُلّها من ربقة الخطيّة ، بشارة الخلاص بآدم الثاني، الله المُتجسّد الذي ترك عُلاه ووضع نفسه طواعية ، ومات على الصليب لخلاص كل نفس تؤمن به .
وأقِفُ حائرًا ، من أين جاءت هذه الجُرأة لهؤلاء التلاميذ البسطاء ، أولئك الذين اختبأوا بعد الصّلب مباشرةً خوفًا من اليهود ، وارتعبوا وأنكره زعيمهم بطرس بالثلاثة!!! " فابتدأ (بطرس)يلعن ويحلف انّي لا اعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه " ؟ (مرقس 14 /12 )
مِن أين جاءتهم الجُرأة حتى انتشروا في كلّ زاوية من العالم ، يتحدّون بالبشارة والمحبة ، يتحدّون الموت والمخاطر بكل الوانها وأطيافها ؟ .
ويأتي الجواب سريعًا ...القيامة المجيدة ، فلقد رأوه بأمّ أعينهم وجسّوه ، ووضع توما أو كاد يده في آثار المسامير والطعنة ...بل ودخل يسوع والأبواب مُغلَّقة !...من هذا الذي يتحدّى الموت والشيطان في عقر داره ؟
من هذا الذي لا يحدّه زمان ولا مكان ، ولا يقف أمامه حائل او حاجز فيدخل والأبواب مُغلّقَة ؟
من هذا الذي استشهدَ كلّ تلاميذه في سبيله – ما عدا يوحنا الحبيب-؟
أيمكن أن يموت إنسان لأجل أكذوبة ؟!
ألم يكن بالحريّ بتلاميذه أن يعودوا إلى صيد السمك بعد أن انزِلت الستارة على المسرحية؟ .
لم تكن هناك مسرحية أبدًا ، بل كانت واقعًا وتخطيطًا إلهيا منذ الأزل ، فجاء نسل المرأة في ملء الزمن ليسحق رأس الحيّة ، رأس الشيطان.
عادوا الى البحيرة ، وعادوا الى السمك ، ولكنّ المُقام من بين الأموات ظهر هناك على الشاطئ ، وكادت الشبكة ان تتخرّق بعد ان لامست الجهة اليُمنى للقارب ..153 سمكة كبيرة بالتمام والكمال وفي لحظة!!...وأعادتهم هذه المعجزة الصغيرة الى الحياة ، وأعادهم المُخلِّص الى الصيد ، صيد النفوس ، والى زرع بذرة المحبة والخلاص .
والغريب أنّ البشارة الرائعة ، انتشرت وملأت الخافقين وما زالت ، انتشرت بالسيف !!! سيف الرّوح ، سيف المحبّة ، سيف : "أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويضطهدونكم ...".
انتشرت البشارة بعد أن حملها التلاميذ بعيدًا بعيدًا ، حملوها بالعذاب والألم والاضطهاد والرّجم والصّلب والقتل ...ماتوا وهم ينظرون الى الجبال ، الى معينهم ..
المليارات اليوم تجثو أمام الصليب ، أمام مَنْ حَمَلَ آثام البشرية على كتِفيْه ، تخشع في محرابه وتُرنِّم وتُسبّح .
كلّ هذا وسيف لم يُرفَع ... ورمح لم يُلوّح به ، بل بالعكس ، فالإله المُحِبّ أبغضَ السّيف ، وأبغض الظُّلم ، واعتنق السّلم والمحبة ، محبة كل البشر ، اسمعه " يزوبعُ " بعد إلقاء القبض عليه في البستان ، ليلة الخيانة : " واذا واحد من الذين مع يسوع مدّ يده واستلَّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة ، فقطع اذنه ، فقال له يسوع، رُدَّ سيفك الى مكانه لأنّ كلّ الذين يَأخذون بالسّيف ، بالسيف يهلِكون ".
لم يعاتب قط ، بل وأبرأ اذن العبد ملخس بيده الشّافية ، كما أبرأَ وما زال كلّ من يلتجيء إليه ، ويسكن في سِتره.
لا سيفًا في ناموس يسوع الا سيف الرّوح ، سيف الكلمة .
لا حَربة في شريعة يسوع الا حَربة المحبة والحقّ .
لا رُمحًَا في شريعة ابن الإنسان الا رمح العدالة اللامتناهية .
لا موتًا في قاموس الربّ بل حياة وقيامة وفرحًا وتعزيات .
لا انكسارًا في قاموس الربّ ، بل نُصرة وانتصارًا .
لا ظلامًا في قاموس السيّد بل نورًا يشعّ فيملأ القلوب والحنايا .
لا الهًا قاصرًا في السماء ، بل الهًا معطاء يغدق علينا من نعمه في كل يوم وكل لحظة.
حقًا لا سيفًا في شريعة يسوع ، فهذا شاؤول الطرسوسي ، الذي كان ينفُثُ حقدًا وغضبًا وقتلا ، أضحى بولس يزرع المحبّة في القلوب ، كلّ القلوب بالبشارة الرائعة .
زهير دعيم