من هو المصلوب؟
التاريخ: السبت 27 فبراير 2010 الموضوع:
|
نحن نؤمن أن المصلوب هو يسوع المسيح. ولكن البعض أمام الأدلة الناصعة التي تؤكد أن صلب المسيح حادثة تاريخية مؤكدة، بدأوا يشككون لأنى الحادثة ذاتها، بل في شخص المصلوب، فقال بعضهم إن الذي صلب هو سمعان القيرينى الذي حمل صليب المسيح بدلاً منه، وقال البعض الآخر إن الذي صُلب هو شبيه للمسيح، وهو واحد من تلاميذ المسيح، ربما يكون يهوذا. ولإثبات حقيقة ما نؤمن به نرجع إلى الكتاب المقدس، فهو كلمة الله التي تثبت إلى الأبد (1بط25:1)، و"لأنه لم تأت قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط21:1) وعلى هذه الصخرة تحطمت كل السهام التي تشكك في صلب المسيح، وفيه نرى الأدلة الكافية حول هذه القضية. وهي:
1- نبوات العهد القديم:
لقد كتب أنبياء الله بدء من النبى موسى حتى ملاخى في التوراة والمزامير وغيرها من أسفار العهد القديم كثير من النبوات قبل إتمام الحدث بأكثر من خمسمائة عام، ويوجد في العهد القديم أكثر من ثلاثمائة نبوة عن السيد المسيح، منها 29 نبوة تمت في خلال 24 ساعة، وهي النبوات التي تتعلق بموته.
وفيما يلي نذكر نبوة جاءت في سفر النبي دانيال:
"وبينما أنا أتكلم وأصلى واعترف بخطيتي وخطية شعبي إسرائيل. وأطرح تضرعي أمام الرب إلهى عن جبل قدس إلهي. وأنا متكلم بعد بالصلوة وإذا بالرجل جبرائيل... تكلم معى وقال: يا دانيال إنى خرجت الآن لأعلمك الفهم. في ابتداء تضرعك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب. فتأمل الكلام وافهم الرؤيا: سبعون أسبوع قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة. لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين. فاعلم وأفهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً، يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة" (دا20:9- 26).
وحسب إجماع المفسرين فإن:
1- دانيال هنا يتحدث عن أسبوع سنين.
2- أمر تجديد أورشليم المقصود هنا صدر في مارس سنة 445 ق.م.
3- إذن 69 أسبوعاً × 7 سنوات × 360 يوم= 173.880 يوماً.
4- 173.880 يوماً من مارس 445 ق.م تعطى تاريخ 6 أبريل عام 32 م. وهو يوم صلب المسيح.
أي أن هذه النبوة، والتي تمت حرفياً تتحدث عن صلب المسيح "يقطع المسيح" وليس شخصاً آخر.
2- نبوات لأشخاص معاصرين لحادثة الصلب:
لقد تنبأ أشخاص معاصرون للسيد المسيح وأعلنوا عن صلبه ونذكر هنا نبوئتين:
أ- نبوءة يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا):
"وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه،، فنظر يسوع ماشياً، فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو29:1).
وعندما يتحدث يوحنا ابن زكريا عن الحمل، فبلا شك كان في ذهنه الحمل الذي يُقدم ذبيحة للمحرقة. وأيضاً الحمل الذي يُقدم في الفصح، وعندما يتحدث عن المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم فهو يتنبأ عن موت المسيح الكفارى. وفي هذا يقول الرسول بطرس: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" (1بط18:1- 20).
ب- نبوءة سمعان الشيخ:
"وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان، وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحى إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالصبى يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس، أخذه على ذراعيه وبارك الله، وقال: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عينى قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل. وكان يوسف وأمه يتعجبان مما قيل فيه، وباركهما سمعان، وقال لمريم أمه: ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم. وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف" (لو25:2- 35).
وهنا يتنبأ سمعان الشيخ بأن العذراء مريم عندما ترى ابنها معلقاً على الصليب، ولقد كانت العذراء مريم شاهدة عيان لحادثة الصلب، وبالطبع لا يمكن أن تخطئ أم في معرفة ابنها. وهذا يؤكد أن المصلوب هو المسيح، وليس أي شخص آخر.
3- نبوات المسيح عن موته على الصليب:
لقد تنبأ المسيح وأعلن عن موته قبل إتمام هذا الحدث، فهو قد أخبر عن موته الفدائي قائلاً: "إن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت28:20).
وقد أخبر تلاميذه عدة مرات أن "ابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزوأ به ويجلدونه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم" (مت18:20 و19).
ولقد أعلن لهم بوضوح عن موته صلباً- رغم أن الصلب لم يكن عقوبة يهودية- على يد الرومان بقوله "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يو14:3- 18).
فالمسيح هنا قد تنبأ عن حقيقة موته الكفارى على الصليب، ولا يمكن أن يكون المسيح كاذباً. وبعد أن قام المسيح من الموت ظهر لتلاميذه وآخرين، وحيث أن المسيح قد ربط بين موته وقيامته، وبالتالى فكون أن المصلوب قد مات وقام، فهذا يؤكد أنه هو المسيح وليس أي شخص آخر.
4- أحداث تمت أثناء القبض على الشخص الذي صلب وتؤكد حقيقة شخصيته:
إذ نرجع إلى الكتاب المقدس حيث يسجل لي حادثة القبض على الشخص الذي صُلب، نرى من خلال أقوال وأفعال هذا الشخص ما يؤكد لنا حقيقة من هو.
فبعد صلاة المسيح في جثسيماني "جاء إلى تلاميذه وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا، هوذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يُسلم إلى أيدي الخطاه، قوموا ننطلق هوذا الذي يسلمنى قد اقترب، وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الاثنى عشر قد جاء دفعة جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً: "الذي أقبله هو هو، أمسكوه. فللوقت تقدم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدي وقبله فقال له يسوع: يا صاحب لماذا جئت؟ حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطه أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه لأن الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى فيقدم لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة فكيف تكمل الكتب. أنه هكذا ينبغي أن يكون في تلك الساعة قال يسوع للجموع: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى لتأخذونى، كل يوم كنت أجلس معكم أعلم في الهيكل ولم تمسكونى. واما هذا كله فقد كان لكى تكمل كتب الأنبياء. حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا" (مت45:26- 56).
"فأجاب يسوع وقال: دعو إليَّ هذا ولمس أذنه وأبرأها" (لو51:22).
فهنا نرى:
أ- المسيح يعلن أن ساعته قد اقتربت، وأنه سوف يُسلم إلى أيدي الخطاة، ويعلن أن الذي سوف يُسلم هو ابن الإنسان وهو لقب المسيح المفضل لنفسه.
ب- عندما قُبض على المسيح، وأستل بطرس سيفه، قال له المسيح: رد سيفك إلى الغمد، وهذا برهان على أن الشخص المقبوض عليه هو المسيح الذي دعا إلى المحبة وعدم مقاومة العنف بالعنف. ولو كان الشخص المقبوض عليه شخص آخر غير المسيح، ووجد من يدافع عنه ويمنع الأعداء من القبض عليه فهل يمنعه من الدفاع عنه؟ بالطبع لا.
ج- قوله لبطرس: أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب من أبى فيرسل لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة"، يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح الذي تحدث كثير عن الله كأبيه.
د- قوله لبطرس أيضاً: "الكأس التي أعطانى الآب ألا أشربها" (لو11:18)، وهو نفس القول الذي قاله المسيح في صلاته في البستان قبل مجئ الجنود للقبض عليه، مما يؤكد أن المقبوض عليه هو المسيح وليس آخر.
هـ- بعد أن ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة بسيفه فقطع أذنه قال الشخص الذي قُبض عليه "دعوا إليَّ هذا ولمس أذنه وأبرأها" (لو51:12)، أليس هذا دليل على أنه هو المسيح صاحب المعجزات وليس شخصاً آخر.
إن أقوال وأعمال الشخص المقبوض عليه تؤكد أنه هو المسيح.
5- شهود العيان:
لدينا عدد كبير من شهود العيان لحادثة الصلب من ساعة القبض على المسيح حتى موته:
أ- شهود العيان أثناء القبض على المسيح.
كان مع المسيح تلاميذ عندما جاء الجنود وقبضوا عليه، فكيف نشكك في شهادة شهود العيان ونصدق أقوالاً تقال بغير دليل، وإنه من المستحيل أن يخطئ الجنود ويقبضون على شخص آخر.
ب- شهود العيان أثناء المحاكمة.
كان في دار رئيس الكهنة حيث تمت محاكمة المسيح، بطرس ويوحنا تلميذى المسيح وأيضاً كان يوجد حنان وقيافا وغيرهم من أعضاء السنهدرين الذين حاكموا المسيح والمسيح شخصية معروفة جيداً لديهم.
ج- شهود العيان أثناء عملية الصلب.
لقد كان عند الصليب أحباء المسيح وأعدائه، فعند الصليب كان يوحنا تلميذ المسيح، وكانت هناك العذراء مريم، ومن المؤكد إذا أخطأ الجميع فلا يمكن أن تخطئ أم في معرفة ابنها، وهو على الصليب تحدث معها، وكان هناك أيضاً الكهنة والكتبة، والحراس، وقائد المئة الذي شهد عنه أنه بالحقيقة هو ابن الله.
فإذا أردنا أن ننكر شهادة هؤلاء الشهود، فعلينا أن نأتى بشهود عيان معاصرين للحدث يبرهنون لنا أن المسيح لم يُصلب ولكن شخص آخر ألقى عليه شبه المسيح.
6- أقوال المصلوب:
لقد تفوه المصلوب بعدة عبارات وهو على الصليب، وعندما نفحصها نجد أنها تدل على أن المصلوب هو المسيح وليس شخصاً آخر. ونذكر من هذه الأقوال ما يلي:
أ- قال المصلوب: "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو34:23).
وهنا نرى المصلوب وهو في قمة الألم الجسمانى، ومع ذلك لم يطلب لصالبيه الغفران فقط، وإنما التمس لهم عذراً وطلب لهم المغفرة، معلناً أن خطيتهم هي مجرد جهل. فمن الذي يستطيع أن يفعل هذا سوى المسيح.
إن طبيعته هي التي أملت عليه هذا القول وجعلته ينس آلامه الرهيبة ويتشفع من أجلهم مقدماً مثالاً عملياً لتنفيذ وصاياه، فقد قال من قبل "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم وأحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (مت44:5).
ب- عندما قال اللص للمسيح: "اذكرنى يارب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك إنك اليوم تكون معى في الفردوس" (لو42:23- 43).
فالمصلوب هنا بقوله للص: "اليوم تكون معي في الفردوس". فهو يعلن ثقته في النهاية ويعده بانه سوف يدخل معه الفردوس في نفس اليوم، ودخول اللص للفردوس يتطلب غفران خطاياه. فالمسيح هنا يمارس سلطانه الإلهي في مغفرة الخطايا. فإذا كان المصلوب شخصاً آخر غير المسيح فمن أين له اليقين في دخول الفردوس، وكيف له أن يضمن للص دخول الفردوس؟ ومن أين له سلطان مغفرة الخطايا؟
هذا القول يؤكد أن المصلوب هو المسيح وليس شخصاً آخر.
ج- قال المصلوب: "يا أبتاه في يديك استودع روحي، ثم نكس رأسه وأسلم الروح".
وفي هذا القول نرى:
- قول المصلوب: "يا أبتاه" وهنا يرد المسيح على الذين كانوا يتحدونه قائلين: "عن كنت ابن الله أنزل من على الصليب" فأثبت أنه ابن الله، ولكنه لم ينزل من على الصليب وإنما رفع الصليب إلى علو السماء.
- فعندما قال المصلوب: "في يديك استودع روحي" فهذا يعلن أن المصلوب كان له سلطان أن يُسلم روحه في الوقت الذي يريده، وهذا ينطبق على المسيح وحده الذي قال عن نفسه "ليس أحد يأخذ هامتى، بل أضعها أنا من ذاتى، لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضاً" (يو18:10).
إذن كلمات المصلوب تؤكد أنه هو المسيح وليس أي شخص آخر.
* ملاحظات ختامية:
1- إذا كان الذي صُلب هو شخص آخر فقد كان في استطاعته أن يعلن ذلك ويقدم البراهين التي تثبت حقيقة شخصيته.
2- إن المسيح ليس شخصاً غير معروف حتى يمكن الخطأ فيه بسهولة.
3- إذا كان الله قد ألقى شبه المسيح على شخص غيره، واعتقد صالبيه أنه هو المسيح، ويؤمن الملايين اليوم أنه المسيح، فيكون الله- حاشا- هو الذي خدع ويخدع الملايين. وبالطبع هذا محال.
4- لقد كانت خطة الله الأزلية هي موت المسيح فداء عن البشرية "هذا أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذا لم يكن ممكناً أن يُمسك منه" (أع23:2- 24). فصلب شخص غير المسيح يعني إلغاء خطة الله لفداء الإنسان.
5- المصلوب قد مات ودفن ثم قام، وهذا برهان على أنه هو المسيح الذي تنبأ مرات كثيرة عن موته وقيامته.
لهذا نحن نؤمن ان المسيح قد مات حسب الكتب "ليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً" (رو4:3).
|
|