الاب انطوان ملكي
غالباً ما يطرح الأهل على أنفسهم سؤالاً حول مَن يعلّم أبناءهم قيمهم وأخلاقهم. أهو التلفزيون أو المدرسة بجوها ومعلميها وطلابها، أم المحيط عامةً. وأحياناً قد يشعر الأهل أنهم أقل المشاركين فرصاً في التأثير على أولادهم فيتحولون من الفعل إلى ردة الفعل وما يكسبهم هذا إلا السلبية، أو يستسلمون لأن أبناءهم ليسوا لهم بل أبناء الحياة. في هذا تحدٍ للأهل الذين ينشدون أن تكون بيوتهم كنائس صغيرة والمسيح مزروعاً في قلوب أبنائهم وأفكارهم. الأمر يحتاج إلى جهاد ويتطلّب وقتاً يقضيه الأبناء مع أولادهم لا بل يشترط أن تكون للتربية المسيحية الأولوية في سلم أولويات الأهل البيت .
عمَّ نتكلم عندما نذكر التربية المسيحية في البيوت؟ أهو الأهل يُقعِدون أبناءهم ساعةً أسبوعياً ليشرحوا لهم عن الثالوث والأسرار والأعياد السيدية؟ بالطبع لا. فالتربية المسيحية في البيت هي أولاً أولوية تُعطى للمسيح في حياة هذا البيت. إنها أن يجعل الأهل إيمانهم جزءً أساسياً من حياتهم وأن يقولوا لأبنائهم، من خلال عملهم، أن المشاركة في القداس يوم الأحد صباحاً أكثر أهمية من النوم. وأن يعلموا أبناءهم، من خلال الممارسة، أن محبة الله مهمة والمسامحة مهمة والعبادة مهمة والكنيسة وتعليمها مهمة، وكل هذه الأمور مهمة إلى درجة إعطائها الأولوية في الحياة.
التربية المسيحية في البيت هي عيش الإيمان ، أي حفظ الأصوام والأعياد، المشاركة في أسرار الكنيسة كعائلة، والجهاد ضد الرغبات كعائلة، والتعلّم عن الإيمان كعائلة. إنها اختبار المسامحة التي تأتي بعد الخلاف بين الإخوة، وتحسس المحبة التي تغلب الغضب، وممارسة المشاركة التي تكون صعبة في أغلب الأوقات. التربية المسيحية في البيت تكون في الحركة معاً نحو الله ، وفي الحياة التي الله مركزها. إنها الأيقونات فوق الأسرّة، والصلاة قبل الأكل، وقصص الكتاب المقدس وسير القديسين للأطفال في السرير والصلاة قبل النوم. إنها شرح الأعياد على المائدة والحديث من القلب إلى القلب عن الجنس والحب والحياة . إنها عيد الميلاد معاً ورأس السنة في العائلة. وهي التعييد لأسماء القديسين والشفعاء، والمناولة معاً والتهيؤ لها معاً. التربية المسيحية هي في نزهة العائلة معاً في الربيع حتى يتشارك الجميع في رؤية الله يجدد وجه الأرض، وفي الخريف حتى يتمتعوا بأعمال يديه. إنها مواجهة صعوبات الحياة، من فشل وخيبة وفراق، معاً بإيمان بالله وثقة به وبالآخر.
إذاً ما هي التربية المسيحية في البيت؟ إنها أن يتعلم كل أفراد البيت ؟، كباراً وصغاراً، أن يعيشوا كمسيحيين. ليست التربية المسيحية في البيت سهلة لأنها تُظهر ضعف الإنسان كما تُظهر قوته وتتطلب جهداً ووقتاً ومحبة. فيها صدمات وتصادمات ومقاومة، مثلما فيها فرح ونجاح واحتفال.
الأمر يستحق العناء كما تستحق الحياة في المسيح الجهد والتضحية. إنسان وجد جوهرة فباع كل ما لديه ليقتنيها، والحياة في المسيح هي هذه الجوهرة. كل الذين تبعوا المسيح اعتمدوا وكل أهل بيتهم. كل الآباء والأمهات مدعوون إلى اتباع المسيح مع كل أهل بيتهم عن طريق تربيتهم على الحياة معه. يبقى أن يعطوا الأمر المكانة الأولى في حياتهم ويؤمنوا أن الحياة في المسيح شيئاً ممكناً.