.. أن روح الله يسير دائماً باتجاه الحياة. لا يستطيع الله أن ينكر ذاته، لا يستطيع تخريب هذه الحياة التي وهبنا إياها لنشاركه إياها، بخلقنا على صورته ومثاله: روح الله يسير دائماً باتجاه الحياة. أما الروح الشريرة، فهي العدو الذي يسعى للتخريب، تخريب الخليقة والسعي لإخفاق عمل الله. لنتذكر المثل الذي يقدم لنا صورة العدو الذي يزرع زواناً في الحقل (متى13: 24-30). الروح الشريرة تسير دائماً باتجاه الموت. إذاً، دعنا لا ننسى أبداً: روح الله يسير دائماً باتجاه الحياة، والعدو دائماً باتجاه الموت. ولكن، إذا كان هذين الروحين يسيران دائماً في اتجاه واحد، فهذاه ليس وضعنا أبداً، فنحن لا نسير دائماً باتجاه واحد! حياتنا قد تتجه نحو الهاوية باتجاه الشر، وفي لحظة أخرى نستطيع تغيير اتجاهنا بتصميم والسير باتجاه الله.
حياة باتجاه الهاوية هذا هو وضع الذي يترك نفسه تنجرف نحو الشر، فينتقل من خطيئة كبيرة إلى أخرى. نأخذ على سبيل المثال أولئك الذين يختارون بتعمد طريق الدعارة أو طريق الكذب، أولئك الذين يعيشون في الفساد وفي التسابق نحو جمع الأموال، أولئك الذين يعيشون الإجحاف في عملهم أو عائلاتهم... والائحة طويلة! إنه الطريق السهل، كما ينزل سائق الدراجة بهدوء درب يصل إلى طريق مسدود. في هذه الحالة، تسير الروح الشريرة باتجاهها، وهي مسرورة للغاية لرؤيته يتجه نحو الهاوية ! إنها تجره على المضي في طريقه هذا: "لا تتوقف: إن الأمر لسهل للغاية"! "الجميع يتصرف هكذا. لا تطرح الأسئلة على نفسك". ويصور له العدو كل الملذات والمزايا التي يستطيع النيل بها من تلك المواقف. أما الروح الطيبة، فتهب بالاتجاه المعاكس وتحاول إيقاف الإنجراف نحو الهاوية، تنخز في الضمير وتزعج السكينة المصطنعة لتشير إلى أنه هناك شيئاً ما خطأ. تجعلنا غير ممتنين لهذه الحياة المليئة بالملذات المصطنعة لتدعونا إلى تغيير اتجاهنا. يعبر شارل دوفوكو Charles De Foucauld الفرنسي الذي اعتنق المسيحية في بداية القرن العشرين، بشكل جيد عن تحركات الروح هذه في حياته، حين كان يجري تدريبه العسكري وكان يبذر أمواله في حياة الدعارة: "كنت أبتعد أكثر فأكثر عنك يا ربي وكانت حياتي... حياتي كانت ابتدأت أن تتحول إلى موت... كنت أصنع الشر، وكنت تجعلني أشعر بفراغ مؤلم وبحزن لم أكن قد شعرت به من ذي قبل... كان هذا الشعور ينتابني كل مساء حين كنت أعود وحيداً إلى شقتي، كان يبقيني صامتاً ومرهقاً أثناء ما ندعوه حفلات. كنت أنظم الحفلات وأثناءها كنت أبقى صامتاً مشمئزاً شاعراً بملل لا متناه... كنت تعطيني يا رب هذا القلق الغامض لضمير شرير نائم ولكن لم يكن مائتاً تماماً... تلك كانت إذاً عطية منك يا ربي...وكم كنت بعيداً عن التفكير بذلك".. حياة تقدّم هذا هو وضعنا حين نحاول الاهتداء كل يوم لنكبر في خدمة الله وللعيش أكثر فأكثر به. تشعر الروح الشريرة بالغيظ وتحاول اعتراض طريقنا لإيقاف نمونا. هي تشبه إلى حد ما الريح التي تمنع راكب الدراجة الذي اختار صعود الجبل. ستحاول بث اليأس فينا: "لن تتمكن من الوصول أبداً"، ستحاول بث القلق فينا لتمنعنا من الاستمرار في المضي إلى الأمام. على العكس من ذلك، تدفعنا الروح الطيبة إلى الأمام وتشجعنا وتعطينا القوة وتحد أو تزيل العقبات أمامنا. إنها تبث فينا الثقة وهذه الثقة تطرد مخاوفنا. نحن نستهل منها الطاقة للحب وللخدمة حتى لو كانت ظروف الحياة صعبة. يحثنا الله ويشجعنا في مسيرتنا في طريق الخير. لا يملك سوى دعم ذلك الذي اختار المضي في اتجاه الحياة. بقلم: ريما بازرجي (ترجمة)